الأربعاء، 15 فبراير 2012

الفلسفة (الحقيقة).


الحقيقة  -المعرفة
الحقيقة بوصفها قيمة
معايير الحقيقة
الرأي والحقيقة
-  اذا كانت الحقيقة هي الغاية التي يسعى اليها الانسان بحيث وضف جملة من الخطابات المعرفية لبلوغها . فبقي السؤال مطروحا ماهي قيمة الحقيقة ؟
*  يؤسس "وليام جيمس" في تصوره لقيمة الحقيقة من خلال اعتبارها مرتبطة بالمنفعة فالحقيقي هو المفيد لفكرنا والصائب لسلوكنا .
لقد اسس "وليام جيمس" تصوره هذا من خلال نقد الفلسفات الكلاسيكية المثالية منها والمادية فاذا كان الفلاسفة المثاليون يجعلون الحقيقة غاية في ذاتها تطلب لنفسها فان وليام يرى ان قيمة الحقيقة تمكن في اعتبارها مجرد وسيلة لتحقيق غايات اخرى تتمثل في المنفعة والمصلحة قد يتفق "وليام"مع الفلاسفة الماديين فاذا كان الفلاسفة الماديون يتجهون رأسا الى الواقع التام فان"وليام جيمس "يرى وجوب فحص هذا الواقع عبر تحليله والتفاعل معه من اجل استخلاص ماهو نافع لفكرنا ومفيد لسلوكنا هكذا اذن فالحقيقة حسب الفلسفة البراغماتية تكمن قيمتها في منفعتها.
* يؤسس الفيلسوف "كيير كجار" تصوره حول قيمة الحقيقة من خلال اعتبارها غاية في ذاتها وهذا ما يجعلها تتحول إلى قيمة أخلاقية تسعى إلى بلوغ الفضيلة خارج أي منفعة.
للبرهنة على تصوره يسوق "كيير كجار" مثال سقراط الذي ندب حياته للبحث عن الحقيقة في ذاتها.لقد جسد المشروع السقراطي دفاعا عن الحقيقة عبر مناهـضته للقول السوفسائي القائم على المنفعة بحيث يعتبر السوفسائيون الحقيقة هي حقيقة ذاتية نسبية ومتعددة انها ترتبط بالانسان الذي يشكل مقياس كل شيء.ان هذا التعدد يجعلنا امام ضياع للحقيقة وهذا مادفع سقراط الى تكريس مشروعه الفلسفي للدفاع عن الحقيقة في ذاتها فهي مطلب يطلب في ذاته و غاية يسعى الانسان إلى بلوغها خارج أي حساب للمردودية او المنفعة . بهذا تتحول الحقيقة إلى فضيلة كبرى تحمل بعدا اخلاقيا لايسعى الا إلى بلوغ الحقيقة في ذاتها.
*  ينخرط الفيلسوف الالماني "فدريك نتشه" ضمن هذا النقاش المتعلق بقيمة الحقيقة . فأسس تصوره حول قيمة الحقيقة اذ انها لا تعدو في اخر المطاف ان تكون مجرد أوهام. فالحقيقة هي جملة من الاستعارات والكنايات والمجازات اللغوية التي لاتعبر عن حقيقة الواقع فبكثرة استعمالها تحولت تلك الاستعارات الى حقيقة تحل محل الواقع. هكذا يؤسس "نتشه" تصوره للحقيقة بأعتبارها جملة من الاوهام نعتقد في انها حقيقة يستعملها العقل بوازع الدفاع عن استمرارية الحياة وبقاءها .    
-  ان الحديث عن الحقيقة يدعونا إلى الحديث عن معاييرها
فما هي معايير الحقيقة والصدق واليقين؟ هل تكمن في مطابقتها للتجربة والواقع أم ترتبط بالبداهة و التمايز، أم تقترن بالأحكام المنطقية الصورية ؟
* إذا كان "ديكارت" يحدد الأفكار الدقيقة من خلال توفرها على خصائص البداهة ، الوضوح، التمايز والبساطة اذ يقول { لا نقبل إلا الافكار الواضحة والمتميزة } فان "ليبنز" يرفض معاير البداهة والتمايز في الافكار الحقيقية اذ يقول ان الفكرة الحقيقية هي تلك التي تخضع للبرهنة والاستدلال المنطقي . هكذا اذن فمعيار الصدق في الافكار هو بعدها المنطقي.
*  في ذات السياق ينخرط الفيلسوف الالماني " كانط "  الذي يبحث عن معيار كوني  للحقيقة فأين يكمن هذا المعيار الكوني  هل في ماهو مادي ام في ماهو صوري ؟ يرى كانط بأنه من غير الممكن ان يوجد معيار مادى كوني للحقيقة لأن هذا الامر سيكون متناقدا في حد ذاته وذلك بالنظر الى الواقع المادي المتغير والمختلف بإستمرار ومن ثم يمكن ان يكون هذا المعيار الكوني للحقيقة الا معيارا صوريا . آن ذاك تكون الحقيقة الصورية في مطابقتها للمعرفة ذاتها بغض النظر عن الموضوعات وعن الاختلاف بينها  فالحقيقة الصورية ليست شيئا آخر سوى المعيار المنطقي والكوني التي تقوم على المطابقة بين المعرفة وذاتها.
* وعلى النقيد من هذا التصور يؤسس الفيلسوف الوضعي  "فتجنشتاين"تصورا مختلفا. فاذا كان ديكارت يربط معيار الحقيقة بالبداهة وكان  ليبنز يربطه بالاستدلال والبرهنة المنطقية وكان كانط يربطه بمعيار كوني صوري مطابق لمبادئ العقل فان فتجنشتاين يربط معيار الحقيقة بما هو واقعي تجريبي فالافكار الحقيقية لاتكون كذلك الا اذا كانت معبرة عن الواقع وقابلة لاختبارها تجريبيا فلا وجود لتحقيقه خارج اطار الواقع والاختبار التجريبي.

-  غالبا ما ينظر إلى الرأي كانطباع شخصي يكونه الفرد بناءا على ادراكاته الحسية المباشرة فالرأي اذن هو تعبير عن التجربة العامية المشتركة البعيدة عن التأطير النضري الدقيق ولهذا نجد العلماء يرفضون الرأي في حقل المعرفة وحقل الحقيقة العلمية.
* ينطلق "كانط" في تصوره حول اشكالية العلاقة بين الحقيقة والرأي من اعتبار ان الرأي ضروري لبناء المعرفة وبلوغ الحقيقة ، فالرأي في البدأ يكون اعتقادا انه مجرد انطباع شخصي يعبر عن قناعة ذاتية وفردية غير ان الرأي يكتسب طبيعة الحكم الكوني حيثما يتحول إلى رأي جماعي أي إلى اعتقاد تأمن به العقول بهذا يتحول إلى حكم يتسم بالكونية والضروة والموضوعية ، الشيء الذي يفضي بنا في اخر المطاف إلى اليقين والحقيقة . هكذا اذن يؤسس كانط تصوره للحقيقة التي تبتدأ بالرأي وتمر بالاعتقاد لتصل إلى اليقين .
* يبين الفيلسوف " ليبنز " تصوره لاشكالية العلاقة بين الحقيقة والرأي للدفاع عن مفهوم الرأي الذي يعتبره ضروري في بناء كل معرفة انسانية كانت تاريخية او اجتماعية او سياسية او حتي برهانية كما هو الامر بالنسبة للعلوم البرهانية التي يشكل فيها الاحتمال خاصية اساسية تبعا لهذا نجد ليبنز يربط بين الرأي والاحتمال وعليه
فاذا كان الاحتمال ضروري في بناء المعرفة البرهانية فان الرأي ضروري في بناء المعرفة التاريخية والاجتماعية اذن فالرأي يشكل مدخلا نحو بلوغ اليقين والحقيقة .
نتستنتج مما سبق بأن الراي في علاقته بالحقيقة قد شكل بؤرة اشكالية توزعت بإيزاءها المواقف الفلسفية والعلمية فاذا كان الفلاسفة الكلاسيكيون يعتبرون ان الرأي ضروري لبناء المعرفة وبلوغ الحقيقة وهذا ما اشار اليه كل من كانط وليبنز . فإن الخطاب الابستيمولوجي العلمي المعاصر يقصي مفهوم الرأي ويعتبره مجرد عائق ابستيمولوجي يحول دون بناء المعرفة العلمية ودون بلوغ الحقيقة كما اشار الى ذلك غاستون باشلار.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق